لنقف هنا جميعا..ولننثر الورد على روحها

على تراب غزة وفى مشهد يهز القلوب و يخلو من كل معاني الإنسانية .. وتحت الجرافة التي لم تختلف عن عقلية أبت أن تكون من البشر، وتعترف بحق الآخر في العيش حياة حرة كريمة .. لم يلتفت السائق لجسدها النحيل وصوتها الذي بات صداه يهز الأرجاء .. لم ترحمها جرافة البطش الإسرائيلية ..فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟ ..!
.. ارتقت روحها النقية المناضلة في سبيل الحرية إلى سماء العلا تاركة رسالة خالدة للعالم أجمع تقول فيها ... لا وطن للإنسانية ولا حدود للدفاع عن الحرية .. ولا اختصاص للقضية..ولا خوف في قلوب عشقت ثرى أوطان تئن جوعا وعطشا لكل معاني التضحية.




إنها راشيل كورى ذات الثلاثة والعشرين ربيعاً .. ولدت في قرية أوليمبيا في ولاية واشنطن ..ولدت ومعها حلم بأن تصبح كاتبة وشاعرة .. ولكن يداً غادرة منعتها من تحقيق حلمها.
انضمت راشيل عام 2003 إلى حركة التضامن العالمي والتي كان ينضم اليها الشبان المناضلون من أميركا وكندا وبريطانيا رغبة منهم في الخروج والانطلاق إلى الواقع العملي والمشاركة بعمل إنساني لمنع هدم المنازل الفلسطينية وتشريد أصحابها في غزة ..


عاشت في بيت طبيب فلسطيني بين أسرة بسيطة احتوتها بكل الرعاية والحنان رغم ضيق ذات اليد ..عاشت بينهم وعايشت كفاحهم وصبرهم ونقلت صورة هذا الكفاح عبر رسائلها التي كانت لا تمل من كتابتها لأسرتها.
في ذاك اليوم المحتفى بنضالها وصمودها يوم 16 من مارس 2003 أتت الجرافة الإسرائيلية لتهدم بيت الأسرة التي عاشت معها .. انفجر الدم في عروقها النابضة بالعزة والإباء وتصدت بكل قوتها لمنع قرار الهدم الظالم بكل المقاييس، ورغم نداءات أصدقائها بالابتعاد عن البلدورز إلا أنها أبت أن تنحني وتنكسر وتتراجع أمام من يظن أنه اقوي من الجميع ..وما هو إلا دمية في مسرح ساخر تحركها أياد ملوثة بدماء شهداء الحرية عبر خيوط واهية ظنت يوما بأنها أقوى من الضمير الانسانى الحي ..وما هي إلا كخيط العنكبوت ..

وها هي راشيل كورى تعود إلى غزة من جديد .. متضامنة كعادتها .. مبحرة عبر المتوسط .. أتى بها الشوق لمياه ترتجف لذكراها العطرة وأمواج ترتعش لملامسة أحرف اسمها الذي لم تنساه يوماً .. وتراب زاده عبق دمائها الذكية حنينا واشتياقاً لنضالها السلمى ..

أتت متحدية لغطرسة إسرائيلية باتت رائحتها تملأ إرجاء العالم دون رادع أو قانون منصف ..لتعيد إلى أذهاننا ذكرى لم تمت .. وملامح طفولية وقفت ضد العنف والاغتصاب بكل قوة لم يمنعها هذا الجبروت من التراجع عن هدفها ومبدأها النبيل المعطاء إلا وهو "الحياة من اجل الحرية ".
وكأن لعنة التعنت الإسرائيلي لا تريد أن تفارقها ...فتعلن تصديها لسفينة راشيل كورى المتجهة إلى غزة والمحملة بالمساعدات الإنسانية وسحبها إلى مياه اسدود البعيدة عن غزة للتأكد من خلوها من الأسلحة.

يا له من عدو جبان بكل المقاييس ..وكأن الاسم فجر بداخل هذا المتعنت مشاعر غضب مازالت تلاحقه ممن هم ما زالو يحملون في قلوبهم روح النضال والتحدي لكل ظلم واقع على هذه الأرض ..
قامت القرصنة الإسرائيلية بمحاصرتها وإرغامها على تغيير اتجاهها إلا أن ربان السفينة يأبى أن يركع أمام هذه التهديدات ..وما كان من الجيش الإسرائيلي إلا أن اقتحم السفينة عنوة ولكن بدون عنف أو مقاومة من طاقمها، ضاربة بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية عرض الحائط ..
فما أشبه الليلة بالبارحة
وداعا راشيل كورى الإنسانة وأهلا براشيل السفينة المناضلة حتى وان طالتها يد الاحتلال الغاشم فكل يوم سوف يظهر في عالمنا ألف راشيل لا تموت ..